حملة رفع سن الحضانة لدى الطائفة الشيعية: هذه قصتنا وللحلم بقية

زينة إبراهيم

عندما طلب مني أحد الأصدقاء كتابة موضوع عن حملة رفع سن الحضانة لدى الطائفة الشيعية. ترددت كثيراً وشككت بقدرتي على إيصال أفكاري عبر الكتابة، على الرغم من أني مؤسِسة الحملة وأني أستطيع الكلام عنها لساعات أمام صديق أو أمام جمع من الناس أو حتى أمام الكاميرا.

ربما كان ترددي نابعا من إدراكي أن هذا الموضوع سينشر في جريدة تنقل معاناة المجتمع الجنوبي واللبناني في زمن بات فيه التعبير عن المعاناة من المحرمات، في زمن ضُرب فيه اللبنانيون واللبنانيات وسحلوا وتعرضوا للتهديد المباشر لتجرئهم على المجاهرة بمطالبهم، في زمن بات فيه الحديث عن أدنى الحقوق يُجابه باتهامات العمالة، وفي زمن يوزّعُ فيه الجائعون القابعون في منازلهم مع أطفالهم، شهادات بالوطنية على المرابضين في الشوارع والساحات.

طُلب مني كتابة هذا الموضوع في زمن ما بعد 17 تشرين، في شهر أيلول 2020، أي بعد مرور أحد عشر شهراً على بدء الانتفاضة. أحد عشر شهراً استعملت فيها السلطة جميع الوسائل غير المشروعة لإخماد صوت الشارع ونجحت في ذلك، فانسحبتُ من الشارع مثل كثيرين لإدراكي أن هذه البلاد ليست لنا. نعم، فقدت الأمل من إمكانية تغيير هذه السلطة، ولكن هل فقدت الأمل في إمكانية تغيير قوانين الحضانة؟ هل سأسمح للخيبة التي أشعر بها أن تمنعني من متابعة مسار الحملة؟ المسار الذي رسمته وناضلت من أجله الأمهات اللواتي تحدّين جميع العادات الاجتماعية، ووقفن صارخات في وجه “المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى” مطالبات بحقّهن في حضانة أطفالهن؟ هل سأسمح للعبة السياسية، التي لطالما آثرتُ اللعب خارج دائرتها خلال سنوات الحملة، من منعي من متابعة حلمي وحلم نادين وحلم كل أم في الطائفة الشيعية؟

بدأت حملتنا عام 2012، حين وقفت أمام القاضي الجعفري في محكمة بيروت الجعفرية للحصول على طلاقي. حينها، أدركت الواقع المرّ الذي نواجهه نحن النساء الخاضغات لقوانين المحاكم الجعفرية، فالقانون هناك يسمح للأب بانتزاع الطفل من والدته في عمر السنتين. وقتها لم يستعمل طليقي هذه الورقة ضدي، وسمح لي بالاحتفاظ بحضانة ابني، ولكن ماذا عن عشرات النساء اللواتي يلجأن وبشكل يومي إلى هذه المحاكم؟ هل احتفاظي بابني سيجعلني اتغاضى عن كل الغضب الذي أشعر به تجاه القوانين التي من المفترض أنها وُضعت لإنصافنا نحن الأمهات؟ أليست هذه القوانين هي مرآة الدين والمذهب الذي أنتمي إليهما؟ هل يرضى الله والنبي بذلك؟ هل يرضى الإمام جعفر الصادق بكل هذا الظلم في أروقة محاكم تحمل اسمه على أبوابها؟

خرجت من المحكمة وبدأت بنشر بوستات فايسبوكية عن ضرورة تغيير هذه القوانين، استمررت بفعل ذلك لأسابيع، تعرّفت خلالها على الكثير من الأمهات، اللواتي قصصن عليّ قصص عذاباتهن في أروقة المحاكم الجعفرية، عن تعرضهن للابتزاز، عن فساد القضاة، عن حرمانهن من أطفالهن، عن الرشاوى، عن وعن وعن.. ، كلها كانت تزيدني إصرارا على ضرورة تغيير القوانين. لماذا؟ لأنها قضية قانون نخضع له نحن، النساء الخاضعات لقوانين المحاكم الجعفرية، يعني أنا وأختي وصديقتي وجارتي وزميلتي في العمل وقريباتهن وأخواتهنّ.. إنها قضية قانون ممكن أن يحرمهن كلهن من أولادهن من خلال شطبة قلم.

وتعرفت على لمى، الفتاة اللطيفة الجميلة المحجبة، المتحمسة للقضية بالرغم انها غير متزوجة. وتعرفت على نادين، أم كرم، التي تطلقت وتشاهد ابنها لمدة ٢٤ ساعة في الأسبوع، نادين توفيت السنة الماضية، أي بعد ٧ سنوات من نضالها في حملتنا لرفع السن، ماتت وهي تتمنى أن ترافق ابنها في أول يوم إلى المدرسة، نعم، هذا حلم من احلام الأمهات في طائفتنا الكريمة.

على مدى سنوات، قمنا بتنظيم التظاهرات على باب “المجلس الاسلامي الشيعي الأعلى”، حصلنا على تأييد الكثير من رجال الدين نذكر منهم فضيلة المفتي أحمد طالب، الذي لا يوفر فرصة ولا مناسبة للتذكير بمظلومية الأمهات مشكوراً. حصلنا على ثقة الكثيرين على تنوّعهم، ولمن لم يشارك في هذه التظاهرات ولم يسمع عنها، فنحن نرى في تظاهراتنا المرأة ذات الشادور أو الحجاب، والمرأة غير المحجبة، ألسن كلهن متضررات؟ أليس الوجع واحداً؟ لماذا ذكر تفصيل الحجاب والشادور على الرغم من وقاحة هذا الذكر؟ لكي ننقل إليكم الصورة الحقيقية من الشارع، وليس الصورة التي يحاولون نقلها إليكم؟ إن كل من يطالب بالتغيير يخدم العدو، وفعلها “المجلس الشيعي” حين أصدر بيانا قال فيه أننا مجموعة ممولة لضرب مفاهيم الطائفة الشيعية. من يطالب بالتغيير هنّ نحن، من نحن؟ أمهات نبذل من مالنا الخاص إذا اقتضى الأمر، ومن جهدنا ووقتنا لإنجاح هذه الحملة.

خلال كل هذه السنوات، قامت الحملة بنشر قصص الأمهات على جميع وسائل الإعلام المحلية والعالمية، وانتشرت الحملة أكثر وأكثر واستطاعت الوصول إلى الأمهات المسافرات اللواتي يخشين الرجوع إلى الوطن كي لا يُنتزع أطفالهن من حضنهن، وهنّ كثيرات. كان الظلم أكبر من أن يُسكت عنه، وكان الغضب أكبر من أن نتجاهله.

ماذا كانت ردة فعل القيمين على “المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى”، وقضاة المحاكم الجعفرية، والمؤتمنين على إنصافنا، تجاه دموع وصرخات الأمهات؟ بضع قرارات لصالح أمّ من هنا وهناك لن آتي على ذكرها لأنها ستذوب مقارنة بعشرات القضايا اليومية الظالمة للأمهات، وبورقة إصلاحية طرحت منذ فترة في المحاكم تسمح للمتزوجين حديثاً بإدراج شروط عديدة منها الحضانة. هذه الورقة قوبلت بالرفض من قبل الحملة، لأنها غير ملزمة، لأنها لا تغطي حالات الطلاق السابقة، ولأنها تحمّل المقبلة على الزواج مسؤولية عدم حضانتها لأطفالها لاحقاً في وقت تخضع فيه لأقسى أنواع الضغوط الاجتماعية تعيب عليها الإشتراط على الرجل، بدل إقرار قوانين تسري على الجميع وفي كل الحالات.

مطالبنا واضحة، تعديل قوانين الحضانة لتصبح سبع سنوات بدل سنتين للصبي، وتسع سنوات بدل سبع للبنت، حضانة مشتركة ما بعد هذا العمر بالتساوي بعدد أيام السنة بين الأم والأب.

عندما نقول سبع سنوات من المطالبة بتعديل قوانين الحضانة في الطائفة الشيعية، يظن الناس أن مطالبنا تعجيزية، ولكن.. اقرؤوا المقطع السابق جيداً، أترضون لأمهاتكم وأخواتكم وصديقاتكم… بأقل من ذلك؟ أترضون لأنفسكم بأقل من ذلك؟

وللحلم بقيّة…

أضف تعليق